الإسلام نظام اجتماعي متكامل ومنضبط يخضع لمنهج وضعه الله لعباده ليكفل لهم حياة إنسانية كريمة ، يحققون فيها سعادة الدنيا والآخرة ، والإسلام هو دين الله الذي أوصى بتعاليمه في أصوله وشرائعه إلى النبي محمد عليه الصلاة والسلام وكلفه بتبليغه للناس كافة والدعوة إليه.
والتشريع الإسلامي جامع بحيث لا تضيع مصلحة الفرد من أجل المجتمع ، ولا تضيع مصلحة المجتمع من أجل الفرد ، بل حقق المصلحتين معا في تناسق وانسجام فجعل التكافل في المجتمع الإسلامي مظلة ضخمة يستظل بظلها الفرد والجماعة والمجتمع كله ، الضعيف قبل القوى ، والصغير قبل الكبير ، والفقير قبل الغنى ، فالمسلم أخو المسلم.
وحرص الإسلام على تحقيق هدف التكامل في التشريع والفكر والثقافة ؛ وفى الخلق والسلوك والعمل ؛ وفى الإنتاج ، فاحترم العقل وحرية التفكير وحثَّ على التأمل في ملكوت الله كما دعا إلى تكامل الخلق والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وركز على العمل والإنتاج بل وطالب أن يكون العمل متقنا وصالحا ؛ واشترط في الحكم أن يقوم على العدل والإحسان والشورى وذلك في إطار من الانضباط الإسلامي وفي مواجهة حاسمة للفوضى والظلم والعدوان .
والإسلام يحقق ذلك كله بمجموعة من العقائد والعبادات والأحكام والقوانين التي شرعها الله سبحانه وتعالى وبينها رسوله محمد عليه الصلاة والسلام في سنته لتنظِّم علاقة الناس بربهم وعلاقات بعضهم ببعض وشرعت الأحكام التي تحقق صالح الناس في هذه الدنيا بجلب النفع لهم ودفع الضرر عنهم ، وعقائد الدين الأصلية كالإيمان بالله واليوم الآخر وأصول الشريعة كوجوب الصلاة والزكاة وحرمة النفس والعِرْض والمال فإن نصوصها جاءت في القرآن بينة واضحة لا تحتمل اجتهادا ولا إفهاما.
وهذا النظام الإسلامي ما هو إلا منهج متكامل يضم مجموعة من الأحكام بعضها بينتها نصوص وردت في القرآن أو السنة وبعضها لم تبينها نصوص القرآن والسنة ، ولكن أقامت الشريعة دلائل عليها ونصبت أمارات لها ، بحيث يستطيع المجتهد بواسطة تلك الدلائل والإشارات أن يصل إليها ويبينها ولابد أن نعلم أن الشريعة الإسلامية شيء والفقه الإسلامي شيء آخر وأنهما ليسا متساويين لا في المصدر ولا في الحِجِّيَّة ؛ فالشريعة الإسلامية ثابتة لا تتغير لأنها المبادئ الكلية الأساسية لهذا الدين ولا يقبل من المسلم أن ينحرف عنها حيث أنها جاءت في صورة مبادئ كلية وقواعد عامة يمكن أن تنشق منها عشرات الصور الاجتماعية الحية التي تعيش داخل إطارها العام وتتخذ منها مقوِّماتها الأساسية ثم تختلف بعد ذلك في التفريعات والتطبيقات ما تشاء دون أن تتصادم الأهداف الثابتة والغايات الدائمة إذ أن الحياة تندفع دائما إلى الأمام وتتجدد حاجاتها ومطالبها وتتغير علاقات الناس فيها ووسائل العمل وطرق الإنتاج وتبرز إلى الوجود أوضاعاً جديدة ، وعلى ذلك يعتبر الإسلام ديناً يتسع للحرية الفكرية العاقلة لا يقف ـ فيما وراء عقائده الأصلية وأصول تشريعه ـ على لون واحد من التفكير ، أو منهج واحد من التشريع وهو ـ بتلك الحرية ـ دينٌ يساير جميع أنواع الثقافات الصحيحة ، والحضارات النافعة التي يتفتق عنها العقل البشرى من صلاح البشرية وتقدمها مهما ارتقى العقل ونمت الحياة .
ويقوم الفقه الإسلامي بتلبية الحاجات والأوضاع المتطورة المتجددة في نطاق تلك الشريعة الثابتة ، لذلك فالشريعة الإسلامية ثابتة لا تتغير لأنها ترسم إطارا واسعا شاملا يتسع لكل تطور ، أما الفقه الإسلامي فمتغيِّرٌ لأنه يتعلق بتطبيقات قانونية لتلك المبادئ العامة كما أنه من صنع البشر استمدوه من فهمهم وتفسيرهم وتطبيقهم للشريعة طبقا لحاجات البيئة ومقتضيات العصر ، وعلينا أن نفرق بين الفقه الإسلامي في العبادات والفقه الإسلامي في المعاملات حيث أن فقه العبادات أكثر ثباتا واستقرارا لأنه يتعلق بشعائر تعبدية لا تتأثر بتـوالي العصور والأجيال بينما فقه المعاملات يكون أكثر تطوراً لأنه شديد التأثر بالحاجات البشرية المتجددة .
وهذا المنهج الإسلامي يوضح لكل مسلم عقيدته وعباداته وحقوقه وواجباته ومعاملاته بتكامل ووضوح ، ويستطيع كل مسلم أن يعتمد عليه بتدارسه والعمل بما جاء به دون الحاجة إلى البحث عن جماعه تبيِّن له منهجه فقد تقوده هذه الجماعة إلى التعصب البغيض أو إلى الضلال المهين وقد تركز الجماعة على جزئية من المنهج أو تفسِّره بعيدا عن الأهداف الحقيقية مما قد يخرج المرء عن منهج الله فيخسر الدنيا والآخرة .
والمنهج الإسلامي منهج واضح محدد لا عوج فيه ولكنه غالبا ما يؤدى إلى التحزُّب أو التعصب لفكر متطرف جاهل أو حاقد على الإسلام ومعتنقيه كما يمكن أن يقود إلى فكر متحمس مندفع لا يأخذ بالأبعاد الكلية للموضوع الذي يبحثه ، ويسير في طريق الضلالة بعيداً عن طريق الهدى مما يضر بالإسلام ولا ينفعه ويضعفه ولا يقويه ، لهذا يجب على كل مسلم اليقظة والحيطة عند الانضمام لأي جماعة علماً بأن العمل بالمنهج يعطيك احتياجاتك ويجعل إرادتك حرة فتسمع لمن تريد وقتما تشاء وتحكم بما تعلم ، لا يفرض عليك رأى أو يملى عليك اتجاه يخرجك عن المنهج إلى المعصية ، ولتعلـم أن هنــاك أٌمورا في الدين ولايتك فيها على نفسك , وأمورا في الدين ولايتك فيها لغيرك وهى :
على كل فرد أن ينفذ ما ولايته فيه على نفسه كالصيام والصلاة والزكاة والصدق والأمانة .
قد تجد أمورا التقى فيها الدين بالقانون الوضعي كما في السرقة والرشوة، وأن اختلفت العقوبة ، فعندما أكون متدينا وأنفذ قانوناً دينيّاً فأنا لم أهدم القانون الوضعي.
أشياء القانون الديني له فيها حكم والقانون الوضعي ليس له فيها حكم مثل الخمر فالدين ينهى عن الخمر والقانون الوضعي لا ينهاني ولا يأمرني بشرب الخمر فأنا بامتناعي عن شرب الخمر أنفذ القانون الديني .
ولتعلم بأننا لا نستطيع أن نقيم حكما إسلاميا بالقوة أو بسيطرة فئة على جموع المسلمين بالإرهاب والتضليل ؛ ولكن الحكم الإسلامي نصل إليه بالدعوة الصادقة الهادئة غير المنفرة وبالترغيب لا بالترهيب وبالتوضيح لا بالفرض وبالشورى لا بالوصايا مصداقا لقوله تعالى : ] وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّواْ مِن حَوْلِكَ [ (سورة آل عمران من الآية 159) ، وكما قال تعالى : ] أُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ (سورة النحل من الآية 125) .
والإسلام دين للدنيا والآخرة فمن اتجه إلى الآخرة دون الدنيا فقد خسر لأنه خالف الشريعة والسنة , ومن اتجه للدنيا دون الآخرة فقد خسر خسرانا مبينا ؛ وهذا المنهج الإسلامي منهج يجب على كل مسلم أن يلتزم بجميع بنوده فالإخلال ببند منه إخلالٌ بالمنهج كله ، ففي الدراسة العلمية قد تحصل على الدرجة النهائية في مادة ودرجة ضعيف في مادة أخرى فترسب كذلك المنهج الإسلامي ، فقد تؤدى المناسك على أحسن وجه ولكنك تؤذى جارك وتشهد زورا أو تتعامل بالربا أو تترك حيوانا للموت بالجوع أو العطش ؛ فيهبط عملك وتخسر خسرانا كبيرا ، فاحرص على استيعاب منهج المسلم وطبقه كاملا وارجع إليه كلما احتجت إلى رأى أو مشورة جزاك الله خيرا وسدد خطاك ورعاك في الدنيا والآخرة .
وقد عرَّف القرآن الإسلام بأن له شعبتين أساسيتين لا يتحقق معناه إلا إذا أخذت الشعبتان حظهما من التحقيق والوجود في عقل الإنسان وقلبه وحياته وهاتان الشعبتان هما :
العقيدة والشريعة . فالعقيدة هي الجانب النظري الذي يُطلب الإيمان به أولا وقبل كل شيء إيمانا لا يرقى إليه شك , ولا يؤثر فيه شبهة لذلك كان أول ما دعا إليه الرسول أن طلب من الناس الإيمان به في المرحلة الأولى من الدعوة ( من مبدأ الرسالة إلى نهاية وجوده في مكة ) حيث عنيت السور المكية ببيان ذلك كله ، وأصبحت هي المصدر الأول للعلم والإيمان أمَّا الشريعة فهي النظم التي شرعها الله أو شرع أصولها ليأخذ الإنسان بها نفسه في علاقته :
بربه وسبيلها أداء الواجبات الدينية كالصلاة والصوم والزكاة والحج …
بأخيه المسلم وسبيلها تبادل المحبة والتناصر وأحكام الأسرة والميراث …
بأخيه الإنسان وسبيلها التعاون في تقدم الحياة العامة ، والسلم العام.
بالكون وسبيلها البحث والنظر في الكائنات , واستخدام آثارها في رقى الإنسان .
بالحياة وسبيلها التمتع بلذات الحياة الحلال دون إسراف أو تقشف.
لذلك فالعقيدة هي الأصل الذي تبنى عليه الشريعة ، والشريعة أثر تستتبعه العقيدة ، إذا فالإسلام يحتم تعانق الشريعة والعقيدة ، بحيث لا تنفرد أحدهما عن الأخرى وعليه فمن آمن بالعقيدة وألغى الشريعة أو أخذ بالشريعة وأهدر العقيدة لا يكون مسلما عند الله ، ولا سالكا في حكم الإسلام سبيل النجاة .
والإسلام يستوي فيه جميع بنى الإنسان ، دون نظر إلى ما بينهم من فروق شخصية أو فروق اجتماعية بل درجات القرب من الله تتبع درجات القوة في الإيمان ، والاستقامة على الشريعة ] وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [ (سورة النساء الآية 125) .