القرحة عبارة عن جرح في الجدار الداخلي للمعدة والاثني عشر وغالبا ما يكون بشكل فجوة صغيرة دائرية أو بيضاوية الشكل يتراوح قطرها بين 3 مليمترات و3 سنتيمترات تقريباً. وتنشأ القرحة في الجدار الداخلي للقناة الهضمية (المريء، المعدة أو الاثنا عشر) وهي تعتبر من الأمراض المنتشرة في مجتمعنا وقد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل تحولها الى قرحة نازفة حيث يبصق المريض دما وقد تكون حياته مهددة بالخطر إذا لم يحدث تدخل جراحي لوقف النزف الحاصل.
في بداية المرض غالبا لا يشعر المرضى بوجود أية أعراض تذكر. إلا من آلام في المعدة وغالبا ما تكون بشكل حرقة شديدة تزداد عندما تكون المعدة خالية من الطعام وهذه الحرقة غالبا ما تكون على شكل حرارة أو مغص ينتشر عبر القسم الأعلى من البطن ويظهر عادة مع الجوع أو بعد ساعة إلى ثلاث ساعات من تناول الطعام يزول تدريجيا مع تناول الأدوية المضادة للحموضة . وغالبا ما يصاحبها أعراض عامة مثل الشعور بالقيء والغثيان وما يصاحبها من فقدان الشهية للطعام، وقد تحدث هذه الأعراض أثناء النوم فيستيقظ المريض بتلك الأعراض وفي بعض الأحيان تنحصر آلام القرحة في منطقة الصدر ويصعب التمييز بينها وبين آلام الذبحة الصدرية.
العوامل المساعدة لنشوء القرحة
1- التدخين وشرب الخمور: أشارت معظم الدراسات والأبحاث الى أن نسبة الإصابة بالقرحة عند المدخنين تزداد بمقدار ضعفين عن نسبة إصابة غير المدخنين ويتم تفسيرها من الناحية العلمية بناء على دور مادة النيكوتين الموجودة في السجائر اذ تقوم بمنع إفراز مادة البايكربونات aالمادة الأساسية التي تقوم بمعادلة حمض الهيدروكلوريكo وبناء على هذا المفعول فان نسبة حامض الهيدروكلوريك تزداد في المعدة وتنشا بذلك القرحة وكذلك بالنسبة لشرب المسكرات أو الخمور بل إن مضاعفات القرحة مثل حدوث النزف تكون أشد وأخطر بسبب التدخين وإدمان الخمور.
2- الأدوية: تؤدي بعض الأدوية مثل الأسبرين ومشتقاته وكثير من المسكنات المضادة للالتهابات الروماتيزمية مثل الكورتيزون والاندوميثاسين والديكلوفيناك .. الخ إلى المساعدة على نشوء القرحة وخصوصاً عند المرضى المصابين بداء الروماتيزم الذين يحتاجون إلى كميات كبيرة من هذه المسكنات يومياً.
3- الأغذية: بعض الأطعمة والمشروبات التي تحتوي على مواد حريقة تؤدي إلى تفاقم أعراض القرحة ومن هذه الأطعمة الأكلات الحارة الغنية بالتوابل ومنها الفلفل الحار والشطة الحارة والبهارات والقهوة والعصائر الحمضية، وينصح مرضى القرحة بتجنب كل ما قد يؤدي إلى تفاقم الأعراض.
4- بكتيريا الهليكوباكتر بيلوري: بكتيريا الهليكوباكتر بيلوري هي كائن مجهري سوطي حي يدخل الجسم عن طريق الفم بواسطة تناول أطعمة غير نظيفة مثل الخضار والفواكه والسلطات إذا تناولها الإنسان دون غسل جيد وقد جاءت الدراسات العلمية لتؤكد دورها الاساسي في الإصابة بالقرحة وليس من السهولة بمكان التخلص منها الا بناء على نظام علاجي يشمل عدة أدوية منها أدوية القرحة المعتادة الرانتدين والفاموتيدين مع مضاد حيوي مثل الاموكسيللين او المترونيدازول مع مادة بزموث سب جالات. اذ وجد أن نسبة المصابين بقرحة الاثنا عشر والذين يحملون هذه البكتيريا تتراوح ما بين 80% إلى 100% حيث تفرز هذه البكتيريا مادة اليوريا التي تؤدي بدورها إلى تهتك الغشاء المخاطي الذي يغطي السطح الداخلي للمعدة والأثني عشر وتمنعه من القيام بعمله الوقائي ضد حمض الببسين وحامض الهيدروكلوريك فيصبح جدار المعدة أكثر عرضة للإصابة بالقرحة 5- العوامل النفسية: تعمل التوترات النفسية والضغوط العصبية على زيادة إفراز المواد الكيميائية الطبيعية الموجودة في الجسم ومنها الأدرينالين التي تؤدي إلى تفاقم القرحة عن طريق زيادة الإفرازات الحمضية في الجهاز الهضمي عبر تأثيرها المباشر من خلال الجهاز العصبي الودي، وتشير الإحصائيات عموما إلى أن الأشخاص الذين يشكون من مشاكل عصبية ناجمة عن عدم استطاعتهم التأقلم مع واقع الحياة العملية وعدم التكيف مع ضغوط الحياة وهم على الاغلب يعانون من كثرة الهموم والقلق تزداد فيهم نسبة القرحة عن غيرهم ومازالت الأبحاث مستمرة في هذا المجال.
6 -العوامل الوراثية: تلعب العوامل الوراثية دوراً مهماً في نشوء القرحة، وقد أثبتت الإحصائيات أن نسبة الإصابة بقرحة الاثنا عشر تزداد بمقدار ثلاثة أضعاف في أشخاص العائلة الواحدة في حالة إصابة أحدهم بها مقارنة بالعائلات الأخرى غير المصابة.
تشخيص القرحة
إن التشخيص الصحيح للقرحة في غاية الأهمية نظراً لتشابه أعراضها مع أمراض مختلفة أخرى. وتتمثل خطوات التشخيص في إجراء فحصين رئيسين هما: أشعة الباريوم ومنظار الجهاز الهضمي العلوي.
1- أشعة الباريوم: يقوم المريض بشرب كمية معينة من سائل الباريوم الذي يقوم بتغليف البطانة المخاطية للمريء والمعدة والاثنا عشر وبما أن الأشعة السينية لا تتمكن من اختراق طبقة الباريوم فإنها تظهر بيضاء اللون مع خلفية سوداء على الفيلم الإشعاعي وإذا كانت هناك قرحة فإن مادة الباريوم تملأ هذه الفجوة وتؤدي إلى نتوء في الشكل الأملس المعهود للمعدة والاثنا عشر وتعتبر هذه الوسيلة آمنة ودقيقة للتشخيص لكنها لا تعطي معلومات كافية مما يستوجب الحصول على مزيد من المعلومات فيلجأ الأطباء إلى وسيلة أخرى تسمى بالتنظير الباطني oمنظار الجهاز الهضمي العلويa.
2- منظار الجهاز الهضمي العلوي: يتم اجراء هذه الطريقة عن طريق تمرير أنبوبة طويلة مرنة تحتوي في نهايتها على مصدر للضوء وعدسة كاميرا aمنظارo عبر الفم إلى المريء ثم إلى المعدة ومنها إلى الاثنا عشر ويستطيع الطبيب فحص الغشاء المخاطي للجهاز الهضمي فحصاً مباشراً دقيقاً بناء على ما يلاحظه من تغيرات في الغشاء المخاطي للمعدة وإذا تم اكتشاف وجود قرحة يقوم الطبيب بواسطة الأنبوب بأخذ عينات صغيرة من النسيج الحي من أجل فحصها تحت المجهر للتأكد من عدم وجود سرطان أو أورام خبيثة.
مضاعفات القرحة
1- النزف: يعتبر النزيف أحد أسوأ المضاعفات المنتشرة عند المصابين بالقرحة ويتم ذلك نتيجة حدوث جرح لأحد الأوعية الدموية الملاصقة لجدار المعدة وقد يكون النزيف ثانوياً وتدريجياً فيؤدي إلى فقر الدم، أو نزيفاً رئيساً إذا جرح وعاء دموي رئيس فيحدث نزيف ملحوظ يظهر في البراز أو يتقيأ المصاب دماً وقد يؤدي هذا النزيف إلى فقد كمية كبيرة من الدم قد تؤدي إلى حدوث هبوط في الضغط الدموي الرئيس ويتزامن مع حدوث نقص في جريان الدم في الدماغ لنقص كمية الأكسجين الواردة إليه فيشعر المصاب بالدوار أو الإغماء بل وفقدان الوعي في بعض الحالات، ويحتاج المريض بالقرحة النازفة إلى معالجة سريعة في المستشفى ويتم اعطاء المريض بعض الوحدات من الدم لتعويض الدم النازف ويجرى له منظار الجهاز الهضمي العلوي لتحديد مكان النزف ويتم إيقافه بواسطة الكي أو أشعة الليزر، وفي بعض الحالات يتوقف النزف تلقائياً دون حاجة إلى تدخل جراحي. ولكن في بعض الحالات قد يستمر أو يعاود الظهور وقد يحتاج إلى إجراء عملية جراحية لربط الوعاء الدموي النازف.
2 - تضيق مجرى الطعام: قد يؤدي نشوء القرحة في الاثنا عشر إلى التضيق البوابي aأي تضيق مخرج الطعام من المعدةo وتكون النتيجة تراكم العصارات المعدية والأطعمة غير المهضومة في المعدة فتؤدي إلى تقيؤ المريض ويصاب المريض بفقدان السوائل من الجسم والجفاف والعسر الهضمي ويمكن تشخيص هذه الحالة بالتصوير الإشعاعي بعد إعطاء جرعة الباريوم أو عن طريق إجراء منظار الجهاز الهضمي العلوي. كما قد يؤدي نشوء القرحة في المريء إلى التضيق الفؤادي aأي تضيق فتحة المعدةo وتكون النتيجة صعوبة البلع وتراكم الطعام في المريء مما يؤدي إلى تقيؤ المريض لطعام غير مهضوم. ويمكن تشخيص هذه الحالة بالتصوير الإشعاعي بالباريوم أو عن طريق إجراء منظار الجهاز الهضمي العلوي ولعلاج الأعراض يتم إعطاؤه بعض الأدوية التي تعمل على منع الارتداد المعدي مثل ميتوكلوربرومايد .
الوقاية من القرحة
يمكن تلخيص أساليب الوقاية من القرحة في الابتعاد عن العوامل التي تساعد على نشوئها مثل: - الامتناع عن التدخين والمشروبات الكحولية وهو ما حرمته جميع الأديان وما يدعونا إليه ديننا الحنيف بتعاليمه السمحة التي تكفل للمسلم صحة الروح والعقل والجسد.
- الامتناع عن تناول أقراص الأسبرين ومشتقاته للمصابين بالقرحة - تناول وجبات صغيرة من الأطعمة سهلة الهضم كالطعام المسلوق والخضار والفاكهة الطازجة والابتعاد عن الأطعمة المقلية بالزيت والمأكولات التي يدخل فيها البصل والطماطم وتفادي الدهون والفلفل والبهارات والتوابل في الطعام والحلويات الدسمة والقهوة والشاي واتباع نظام غذائي معتدل ليس فيه إفراط ولا تفريط وعدم الأكل والمعدة مليئة بالطعام،وتجنب النوم مباشرة بعد تناول الطعام لان اغلب آلام المعدة تحدث عند النوم واحتمالية حدوث تقيؤ نتيجة لتضيق المعدة وتفادي الأكل في حالات الانفعالات النفسية لأن ذلك قد يؤدي إلى اضطرابات وسوء الهضم. كما يجب اتباع نصائح رسولنا صلى الله عليه وسلم حيث قال: aما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسهo.
واخيرا علاج القرحة يعتمد بالدرجة الأولى على مدى تقيد المريض بالعلاج الدوائي واتباعه أساليب الوقاية منها مثل تجنب التدخين والكحوليات والأطعمة المقلية وقد تمتد فترة العلاج إلى 3 اشهر وهناك احتمالية لعودة القرحة في معظم الحالات