وقبل أن نسوق طائفة من الدلائل على وجود الله يجب أن ندرك أن للعقل البشرى حدوداً لا يستطيع أن ينطلق خلفها ، فالإنسان إذا نظر إلى السماء وقال إن الكون به مجرات وفراغ فانه لا يستطيع أن يدرك ما معنى أن الفراغ إلى ما لا نهاية وإذا كان هناك نهاية للمسافة في الكون ، فما فوق هذه النهاية ، وينطبق هذا أيضا على الوقت فإذا قلنا إن الحياة على الأرض بدأت منذ مليارات السنين فما كان الكون قبل ذلك وهل له بداية ؟ ، وما قبل البداية ؟ ، وهناك أشياء كثيرة وعديدة لا يمكن للعقل البشرى أن يدركها أو يعللها .
والمشرك ينظر إلى الألوهية بعقل قاصر حيث يقيس وجودها المطلق على وجودنا المحدود ويتوهم أن له أولا . في حين الوجود الإلهي قديم لا أول له 0
وتاريخ الإنسان والعالم والحياة كلها وجدت بعد عدم وربما استطاع الإنسان إدراك أعراض يسيرة في بيئته المحدودة ، أعراض تمس يومها الحاضر , أو أمسها القريب ، أو غدها الموشك ثم تقف بعد ذلك أشعة بصيرته فلا يستطيع حراكا ولا إدراكا حيث أن هناك حدوداً لقدرة الإنسان العقلية في عالم الشهادة وهو في عالم الغيب أعجز وفهمه اقصر لأن عقلنا في قوته المحدودة ؛ كبصرنا الذي لا يقرأ على مسافة قصيرة محدودة ؛ فإذا ابتعد الخط عن تلك المسافة لم يميز منه حرفا ، كذلك لا يستطيع العقل أن يدرك إلا في دائرة وجوده الضيقة ] وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً [ (سورة الإسراء من الآية 85 ) .
والناظر في الكون وآفاقه ، والمادة وخصائصها ، يعرف أنها محكومة بقوانين مضبوطة ، شرحتها علوم الطبيعة والكيمياء والنبات والحيوان والطب ، واستفاد منها الناس أجمل الفوائد.
فالكواكب تلتزم بمدار واحد لا تنحرف عنه يمينا أو يسارا وتلتزم بسرعة واحدة لا تبطئ فيها ولا تعجل وهى لا ترتكز في علوها إلا على دعائم القدرة لا تطير إلا بأجنحة أعارها لها القدر الأعلى ] إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَـاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [ (سورة فاطر الآية 41) 0
وعلى ذلك فإن نشوء حياتنا هذه ودوامها يقومان على جملة ضخمة من القوانين الدقيقة يحكم العقل باستحالة وجودها هكذا جزافا فإن إنشاء الحياة من أصغر خلية يتطلب نظاما بالغ الإحكام ، ومن الحمق تصـور أن الفوضى قادرة على خلق ( جزيء ) في جسم دودة صغيرة فضلا عن خلق جهازها الهضمي أو العصبي ، فما بالك بخلق الإنسان الرائع البيان المتكامل التكوين المنسجم التنفيذ .
لذلك فإن العلم بريء من مزاعم الإلحاد ، ومضاد لما يرسل من أحكام بلهاء . والله سبحانه ممتد في أغوار الأزل الذي لا نعرف كنهه والله سبحانه باق أبدا ، إنه ليس جسما فيموت ، ولا مادة فتتحلل وتذوي ، إنه الدائم الثابت الذي يصير إليه كل شيء قال تعالى : ] كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ [ (سورة القصص من الآية 88) ، وقال تعالى : ] وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ [ (سورة الفرقان من الآية 25).
وبما أن الإنسان لم يخلق الأرض والسماء وبما أن وظيفة الخلق والإيجاد من العدم ، لم ينتحلها لنفسه إنسان ولا حيوان ولا جماد كذلك فان الشيء لا يحدث من تلقاء نفسه فلم يبق إلا الله وقد قرر القرآن ذلك في الآيات ] أَمْ خَلَقُواْ السَّمَـاـوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَ يَوقِنُونَ , أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ [ (سورة الطور الآيتان 35 –36) .
] هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ، إِنًَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [ (سورة الإنسان الآيتان 1– 2) .
إذ لابد أن تؤمن بوجود الله ووحدانيته ، وتفرده بالخلق والتدبير والتصرف وتنزهه عن المشاركة في العزة والسلطان ، والمماثلة في الذات والصفات وتفرده باستحقاق العبادة والتقديس ، والاتجاه إليه بالاستعانة والخضوع ، فلا خالق غيره ، ولا مدبر غيره ، ولا يماثله شيء مما سواه ولا يشاركه في سلطانه وعزته مخلوق ، ولا تخضع القلوب وتتجه إلى شيء سواه..
قال تعالى : ] قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [ (سورة الإخلاص) ، قال تعالى : ] وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُُ فِيهًا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [ (سورة البقرة الآية 30) .